فلا لقمــــــــــع الإعلام ولا للفســـــــــاد القضائي, واتقوا الله في الثورة والثُواركان يُفترض أن يُنشر هذا المقال قبل أسابيع من الآن, ولكن شاء القدر الإلهي أن أتباطأ في نشره حتى حلول العدالة الإلهية في الطاغية وانتهائه إلى غير رجعة فلا يتطاولن أيٌ كان من الهتيفة أو عابدي الأوثان أو ممن يهيمون في الأرض بغير هُدى ليتهمنا بالتُهمة الساذجة التي أصبحت أسطوانةً مشروخة “طابور خامس”!!! وحان الوقت لنقول لأي من هؤلاء الذين صنع أمثالهم أمثال معمر القذافي, قف عندك فأنت طابور ثاني…
توجيه المستشار أصابع الاتهام إلى الليبيين الشُرفاء في مداخلة مباشرة للسيد المستشار مصطفى محمد عبد الجليل (كما يُحب أن يُنادى) مع قناة ليبيا الحُرة, كشف رئيس المجلس الوطني الانتقالي (أمين اللجنة الشعبية العامة للعدل سابقاً) عن عدة أفكار تجول في خواطره وهي في الحقيقة تُهدد هذه الثورة بالضياع والفشل الذريع فيما لو مُررت على الشعب الذي لا يزال مُغيباً عن الكثير من الحقائق.
أسوأ ما قاله المستشار هو وصفه للاعتصامات والتظاهرات في بنغازي بأنها غير مُبررة وبأن وراءها الطابور الخامس, وكذلك اتهامه للبعض ممن ظهروا في القنوات الفضائية الليبية بأنهم طابور خامس. فأقول للمُستشار بالله عليك هل الطابور الخامس هم من يتكلمون عن حقوق الجرحى والأسرى ويُطالبون بإقصاء رجالات وأزلام القذافي ونظامه؟؟ أم الطابور الخامس هم من يسعون إلى إعادة تشكيل المجلس المحلي الذي هو شأن خاص بأهل المدينة؟؟ لهذا يا سيادة المُستشار لا أعتقد أنه من المقبول إلقاء الاتهامات ضد أشخاص لم تكن تعرفهم وقت الاتهام بسبب مطالب شرعية وطنية لمجرد كونها تُسبب الإحراج لكم ولمكتبكم التنفيذي الذي أثبت عجزه وفشله بامتياز. هذا بالإضافة إلى كون تُهمة الطابور الخامس تُهمةً مستهلكة وغير موضوعية قد تُسئ إلى موجه الاتهام أكثر مما تُسئ للمُتهم نفسه..
أليس من باب أولى أن تُوجه إليكم أصابع الاتهام أنتم شخصياً بسبب تمسككم بالمسئولين السابقين الذي شاركوا الطاغية في فساده وساعدوه عليه ودفاعكم عنهم؟ أو بسبب تأخركم في إصدار مُذكرات ضبط وإحضار محلية لأفراد عائلة الطاغية معمر القذافي ومن كانوا معه في السُلطة, لاسيما البغدادي المحمودي؟أو بسبب حرصكم المُبالغ فيه على محمد معمر وطلبك إبقاءه في منزله في حين لم يصدر منك أي أسف على الثوار الذين استشهدوا برصاص حراسه؟ أو بسبب اعتراضكم المُستمر على تغيير الإدارات الفاسدة التي تُثير حفيظة مُختلف فئات الشعب وكانت تُعرقل مسيرة الثورة؟ أو بسبب إثارتكم المُتكررة للنزعات الجهوية والقبلية في الخطابات واللقاءات؟ أو بسبب انعدام الشفافية في التحقيق في وقائع كُبرى مثل واقعة اغتيال اللواء الفقيد عبد الفتاح يونس؟ وأخيراً فاجأت الكثيرين بتأخرك عن الظهور للمباركة للشعب الليبي على نهاية الطاغية وامتعاضك الواضح على واقعة قتله بدلاً من مُشاركة الليبيين فرحتهم بهذا الحدث التاريخي الذي رحبت به حتى قيادات الغرب حين أطل أكثير من مسئول غربي من بينهم أوباما ليباركوا هذا الحدث الذي كانت ردة فعل إدارتكم الأولى عليه هي الإصرار على أن القذافي لم يُقاوم!!!
هذه التُهمة التي تفضلتم بها مرفوضة تماماً من الأساس ونربأ بكم على مثل هذا الأسلوب غير الموضوعي في مواجهة المُعارضين في الرأي, فهذا سيُعيدنا إلى المُربع الأول كونه تكرار لنفس أساليب نظام الطاغية الذي اعتاد على تجهيز تُهم مُسبقة لكل صاحب رأي أو قضية عادلة..
القضاء الليبي نتاج لسُلطة فاسدة, فمتى كان مُستقلاً ونزيهاً يا سيادة المُستشار؟وما يزيد من الغيث فيضاً ما تفضلتم به من أن “القضاء في فترة القذافي كان مُستقلاً” ,, فهل هذا هو دفاع عن أنفسكم بحكم أنك كُنت مُستشاراً في محكمة الشعب قضيت بها ما يزيد على عقد ونصف من الزمان تحكم بقوانين تعلم أن جُلها فاسدٌ وظالم, ثم أميناً للجنة الشعبية العامة للعدل, فكنت ممن أعجب بهم المدعو سيف الإسلام فقال عنكم “أمين على العدل في ليبيا” ؟؟؟
ولا يوجد عاقلان في ليبيا يختلفان على فساد السُلطة القضائية في ليبيا وتبعيتها للنظام وخير دليل على ذلك مُمارسات النيابة العامة التي تعرفونها جيداً وكذلك أحكام مختلف درجات المحاكم التي تنحاز في غالب الأحيان إلى السُلطة الحاكمة لا سيما الأحكام السياسية التي كانت تصدر عن محكمة الشعب وتُؤيدها المحكمة العليا ولنأخذ الحُكم في قضية نادي الأهلي على سبيل المثال, والتي لم يُكلف القضاة أنفسهم حتى استعمال مكنة رقابة الامتناع أو أي من الأساليب التي كانت تُستخدم مراراً وتكراراً لتبرئة المُتنفذين ورجال النظام…. ألم تسأل نفسك وقد قُلتها بنفسك أن الثوار أحرقوا المحاكم ومراكز الشُرطة,, وإن لم تكن جميع المحاكم قد أُحرقت,, لماذا فعلوا ذلك؟؟ ألم تظن أن المحاكم ومراكز الشُرطة كانت أداة للظلم والفساد من أدوات الطاغية؟ إن خُلاصة القول هي أن الثورة قامت من أجل التغيير, وهذا التغيير إذا لم يكُن جذرياً وبوجوه جديدة تماماً فلن تتحقق الثورة, وفي حالة ليبيا وبعد كل هذه الدماء والدمار لن يكون للتغيير من بديل أمام الليبيين., وليس من المقبول أيضاً تكرار المُحاولات لتلميع بعض من رموز وقيادات النظام المُنهار أو تثبيتهم في المناصب كأنها حقوق مُكتسبة. أما المُصالحة فلن تعني الهُروب من العدالة.
حُرية الإعلام يجب أن تكون خطاً أحمر,, فلن نعود للقيودتصريح المُستشار بأن الإعلام يجب أن يكون مُقيداً هو ناقوس خطر حقيقي, فعلاوة على أن المجلس الوطني لم يُمارس أي عمل بشفافية وحتى ديوان المُحاسبة لم نعلم بمن يرأسه إلا من خلال حلقة البرنامج التي شاهدت إعادتها يوم الجُمعة الموافق 7/10/2011 وحمدنا الله أنه ليس الدكتورة هدى بن عامر على الأقل, رغم أنه ليس إنجازاً جديداً بل استمرار لجهاز التفتيش والرقابة الشعبية مع تغيير الاسم! فالسيد المُستشار يتهم أيضاً بعض وسائل الإعلام بتسرب الطابور الخامس ويتمسك بوزارة إعلام ويلوح بتشكيل هيئة للإعلام تهدف للسيطرة على وسائل الإعلام مُتحججاً بأن بعض وسائل الإعلام لم تتحر الدقة في نقل بعض الأخبار. نقول للسيد المُستشار أن حُرية وسائل الإعلام هي الضمان الأول حالياً لوصول الثورة إلى أهدافها إن كنت حريصاً عليها, هذه الحُرية لا ينبغي أن تُقيد بالأسلوب القمعي الذي تعودنا عليه بتضييق الخناق والمراقبة وإصدار التصاريح للمرضي عليهم وغير ذلك, فحُرية نشر الخبر يجب أن تُقابلها حُرية تكذيبه وللقارئ أن يختار وهو ما يحدث في الدُول التي نالت حريتها وتقدمت علينا وتُقدم لنا اليوم يد العون.. فهل نفهم من كلامكم يا سيادة المُستشار أنكم ستُقيدون الإعلام كما بدأ الآن يحدث فعلاً في بعض القنوات الفضائية التي لا تبث أي انتقاد للمجلس الوطني الانتقالي المُؤقت؟ وهل ستعملون على تشجيع المزيد من التعتيم وكبت الحُرية؟
تخلصنا من معمر القذافي إلى غير رجعة فلن نقبل بالعودة إلى تقديس الأشخاص والخوف من الفزاعاتفي النهاية أؤكد على أن هذه الثورة هي ثورة مُباركة ولكننا إذا لم نرعها حق رعايتها فستضيع منا وسنرجع فعلياً إلى القيود التي فُرضت علينا في السابق بعد أن قدمنا تضحيات هائلة, فاتقوا الله في هذا البلد وكفانا خوفاً من الفزاعات المنشورة على طول الطريق فلم يُعرقل مسيرتنا إلا هذه الفزاعات الكاذبة التي أقنعنا أنفسنا بها واهمين ومتجاهلين لحقائق الأمور..فلقد كذبت جميع الادعاءات التي أوهمونا بها لعقود, ولن تُقنعنا ادعاءات وأكاذيب وأوهام جديدة..ليبيا غنية بأبنائها, غنية بقدراتها, غنية بقيم أهلها وإصرارهم على صنع حضارتهم فلسنا في حاجة إلى من تبقوا وخرجوا من تحت مظلة نظام معمر القذافي الذي لم يأتنا منه إلا كُل شر بأشكال وألوان مُختلفة ظاهرةً ومُستترة.