القذافي مات
يتردد في الأوساط الثقافية والإعلامية وكذلك عبر القنوات الفضائية عبارات ” لا توجد دولة في زمن القذافي اللانظام كان نظاماًُ هشاً” وإلى غير ذلك من الأحاديث والأقاويل البعيدة عن المنطق وعن الحقيقة أيضاً، ولقد كان لي رأي عكس ذلك تماماً ولكني تريثت في عدم تقديمه في مقالاتي السابقة المواكبة لأحداث ثورتنا المباركة، استشعارا وحرصاً على الرأي العام الليبي وما يتعرض له من ضغوطات نفسية أثناء الحراك الإعلامي والسياسي والحالة الاقتصادية التي لم تستقر بعد، وكذلك حداثة العهد بمثل هذه الأمور، وحيث أنه من العدل أن ننصف عدونا، وبالتالي لا أظن أن الليبيين غافلون عن ما كان يقوم به القذافي شخصياً طيلة الاثنين والأربعين عاماً الماضية، ولا ننكر أيضاً ما كان يعلنه جهاراً نهاراً، من أنه سيستبدل الليبيين، بل وفي عديد المرات كان يدعوهم للذهاب إلى أفريقيا وبشكل سافر، إذ لم نره يقدم أحد أولاده بالرغم من أنه كان يردد ذلك بحجة الاستثمارات ولقد جهز قوائم من معظم المناطق الليبية والتي كان تشرف عليها كتائبه الأمنية مما تأكد لنا اليوم كيف كان يخطط في ذلك منذ استيلائه على السلطة، وأنه أحضر أفارقة صغاراً السن من موريتانيا وتشاد مالي والنيجر والسودان وغيرها، وتكفل بإطعامهم ولباسهم صغارً وتزويجهم وتوفير الوظائف لهم كباراً، فشكلوا جسماً سلطوياً في معظم مناطق ليبيا، وكانوا أدواته التي يبطش بها وعيونه التي يراقب بها كل تحركات الليبيين في الداخل والخارج، ووفر لهم حياة الرفاهية، والتعليم في جامعاتنا الليبية، وجامعات أمريكا وأوروبا وآسيا أيضاً، ومنحهم المناصب العليا وبهم أحكم السيطرة على ليبيا كلها في نظام أمني فريد من نوعه في العالم، ففي الوقت الذي نجد فيه كل دول العالم تحكم بحكومتين، حكومة مدنية وأخرى عسكرية، فإن لنظام القذافي أربع حكومات هي حكومة تكنوقراط تسير البلاد وتتبع القوانين الإدارية وحكومة مدنية هم مجموعة أفراد يتبعونه القوانين مباشرة ومن ذوي القربى ومن المذكورين سابقاً والذين يقودون البلاد سابقاً، ثم حكومة عسكرية تقليدية وهي الجيش الليبي سابقاً، ثم حكومة اللجان الثورية القتالية والتي منها كتائب أبنائه وأنسابه، وهذه الحكومات الأربعة لها منظومة أمنية حصينة وتقضي على كل من اقترب كثيراً وعرف أكثر أفعال القذافي والأمثلة على ذلك هو أيضاً كثيرة فهذه المنظومة كان لديها العلم مبكراً بما سيحدث ، بل والدلائل جاءتهم من تونس ومصر واليمن، وعلى هذا فقد جهز لحرب ضروس واستجلب لها أسلحة حديثة وشركات إعلامية وعسكرية ومخابراتية لتساعده في قيادة هذه الحرب المتوقعة، واختار طرابلس مركزاً له في إدارة هذه الحرب، وهو الذي بدأها وكان لديه تأييد لأكثر من عشرين دولة منها الأوروبية والأفريقية والآسيوية وأيضاً دولاً من أمريكا الجنوبية، وامتلأ غروراً بما يملكه من قوة فاستهزأ بالليبيين ، وجاءه القضاء والقدر وانتفض الشباب الثوار ومعهم الشعب مكبرين الله أكبر الله أكبر وثبث الله الأقدام وتصدت كل المناطق الليبية لكتائب القذافي في شجاعة وتضحيات لم يسبق لها مثيل أبهرت شعوب العالم وألقت الرعب في نفوس هذه الكتائب وتحطمت منذ الساعات الأولى لهذه الثورة المباركة كل خطط القذافي فأخذ يقفز قفزات هستيرية لا معنى ولا رجعة فيها إلى أن اختفى تماماً، وهنا يجب التذكير بأن الثورة قد نجحت منذ ذلك الوقت، وأنه قد بدأت في مشوارآخر وهو طريق التحرير لمناطقنا المحاصرة وإدارة الأزمة للأحداث المستجدة في تلك المرحلة وهذا الطريق قد تأكد للقذافي أن الشعب الليبي سائر فيه بكل عزيمة وإصرار وأنه مشوار معزز بأرواح الشهداء فكان اختفاؤه الذي سجل انتكاسه كبيرة لأعوانه ، مما أفقده كبرياءه وانجرف بالحرب إلى الانتقام من الليبيين واستمرت حروب التحرير وأستمر التكبير إلى أن دخل الثوار طرابلس، وتهاوى العرش وأجبر على الخروج من جحره وترك قصوره وصولجانه وتاجه وبعثر أسرته خارج ليبيا، وترك كتائبه يلاقون مصيرهم المحتوم وعقابهم عند الله أكبر وظل هو هارباً من مسؤوليته ليزداد شقاء وعذاباً بما اقترفته يداه في كل إنسان وحيوان ونبات وكل جامع ومدرسة ومستشفى وكل دمار لحق بالليبيين وغير الليبيين وبتحرير طرابلس أستطيع القول بأن القذافي انتهى استراتيجياً وقياسياً لمرحلة نضال ثورتنا المباركة، فقد سجلت انتصارات كبيرة جداً وفي زمن قياسي جداً ويمكننا التأكيد على أنه تم القضاء على 90% من القوة العسكرية لكتائبه المقاتلة وأنه تم تحرير معظم الأراضي الليبية والسيطرة عليها وجار تطهيرها من بعض الجيوب التي تتخذ من المواطنين المدنيين درعاً لها وكذلك القضاء على معظم رموز القذافي في الداخل وجار متابعته الهاربين في الخارج، والحمد لله تم اعتراف جميع الدول بما فيهم الدول التي كانت موالية للقذافي هي اليوم تعترف بشرعية الثورة ومجلسها الانتقالي وتم الوصول إلى معظم الأموال المهربة في الخارج والتي كانت بحوزة القذافي وأبنائه وأزلامه وأيضاً العثور على بعض منها مما كان موجوداً في داخل ليبيا،ونحن اليوم ثوارنا هم الذين يسيطرون على منابع النفط ويديرونها بكل كفاءة ،والشعب الليبي يعيش اليوم وحده وطنية ومجتمعات أهلية وحراكاً ثقافياً واجتماعياً وسياسياً وخطابه هو المطالبة بدولة مدنية ذات نكهة إسلامية تجمع الأحزاب السياسية في حوار ديمقراطي نستمع فيه للرأي والرأي الآخر ونقدر فيه طموحات الشعب الليبي، وما يلفت النظر هذه الأيام أيضاً أن هياكل الدولة هي في طريقها إلى التأسيس والهياكل الموجودة الآن تعمل بتوافق ولها إنجازات حقيقية تمت على أرض الواقع والتي تدفعنا إلى القول بأن القذافي يحتضر فعلينا من الآن وصاعداً أن ننظر إلى الأمام وأن نشكل الحكومة المؤقتة وتطبيق بنود الإعلان الدستوري، تجنباً للفراغ السياسي وكذلك إبرام الاتفاقيات من أجل التطوير واستكمال المشاريع المتوقفة وتنفيذ أولويات الأعمال التي تجعل المواطن يعيش عهداً جديداً، ومتابعة المجرم المدعو معمر القذافي عبر الدوائر الأمنية الليبية والدولية، فلا يجب أن يكون مصير الليبيين معلق بوجود شخص قد فقد كل شيء وسقط من كل حساب وما أشبه اليوم بالأمس، فلقد كان انقلابه المشبوه والشبه عسكري جرت أحداثه في وقت كان فيه الملك الصالح رحمه الله خارج البلاد ويملك الشرعية ومع هذا ولاعتبارات دولية، تقرر قبول القذافي وجماعته من صغار الضباط الغير معروفين لدى المجتمع الليبي، فلاهم من أصحاب القيادات العسكرية ولا من المدنيين أصحاب الشهادات العليا ولا هم أبناء لشيوخ قبائل نقدرهم، وأنهوا بذلك سيرة ملك شاركوا في الإساءة إليه وخاصة بعض الدول العربية الشقيقة والدول الكبرى ذات المصالح الإستراتيجية في ليبيا وذاقوا هم أيضاً مرارة ذلك واليوم هم يقيمون لنا المؤتمرات الدولية باسم أصدقاء ليبيا ويعرضون المساعدات بما يملكون من قدرة وخبرة في البناء والتطوير والتقنية والتعمير ويدعوننا أن نخطط للمستقبل، وحيث إنه لا مستقبل مع القذافي وبحضور كل الدول الشقيقة والصديقة استطيع أن أقول أن القذافي مات مات مات.
الرئيسية 
أحدث الصور 
التسجيل 
دخول 
09/10/11, 03:18 pm
